القصة والأسباب الحقيقية وراء كارثة جفاف سد الوالة

 سرايا - كان الأردنيون على موعد مع فاجعة كبرى تتجاوز في حجمها كارثة البحر الميت، والهجمات الأرهابية على فنادق عمان. كاد تسونامي يهدد حياتهم ويزهق أرواحهم، ويودي بممتلكاتهم الخاصة والعامة، ويجرف ويحطم الأخضر واليابس بحسب تقارير تفيد بكارثة انهيار سد الوالة.

بداية القصة وحقائق بيئية:
نعلم جميعا بأن المملكة الأردنية الهاشمية من أفقر دول العالم بالمياه، ومن أقل الدول في حصة الفرد من المياه، كما نعلم أن تذبذب كميات الهطول المطري بين الوفرة والقلة هي سمة تحدث من موسم الى آخر، بالإضافة لزيادة النمو السكاني الطبيعي والهجرات القسرية وأزمات اللجوء، وعليه تمت إستجابة الدولة الأردنية لهذه التحديات عبر حكومات متعاقبة من خلال تنفيذ مشاريع مهمة مثل جر مياه الديسي، وبناء سدود، وعقد شراكات انمائية دولية خاصة مع الأمريكان من جهة، والألمان من جهة أخرى بمليارات الدولارات سواء منح أو قروض ميسرة حسب تصريحات بنك الأعمار الألماني بتاريخ 19 أيلول 2021(موثق).
تم إنشاء سد الوالة عام 2003 في محافظة مادبا بسعة تخزين 9 مليون متر مكعب، بكلفة تقدر بـ 23 مليون دينار أردني، ثم اتخذ قرار بتعليته عام 2017 من أجل زيادة سعته التخزينية من المياه إلى حوالي 25 مليون متر مكعب، وعليه وقعت حكومة المملكة الأردنية الهاشمية قبل أربعة أعوام اتفاقية "تنفيذ العطاء"، ممثلة بوزارة المياه وبحضور وزير البيئة وأمين عام سلطة وادي الأردن وكبار مسؤولي وزارة المياه، بكلفة حوالي 27 مليون دينار.
شركات تنفيذ العطاء والرجل الغامض:
بغض النظرعن آليات طرح العطاءات الحكومية ومدى شفافيتها ونزاهتها، تم توقيع اتفاقية "تنفيذ العطاء" مع إئتلاف شركة نيسباك الباكستانية مع اتحاد المستشارين الأردنية وهذا ليس سرا، ومعلن بوضوح من الجهات الرسمية ومنشور في بعض المواقع الاخبارية الأردنية، لكن السرهو إسم المقاول والذي يشار اليه في بعض المتابعات الصحفية بصفته (المقاول) دون ذكر تفاصيل عن حقيقة شخصيته وهناك حيثيات مبهمة حوله!
ومن الجدير بالذكر أنه تم العديد من الزيارات الحكومية "التفقدية" خلال مراحل بناء تعلية سد الوالة، ويبدو أن الوفود الحكومية كانت من غير المختصين، او قليلي الخبرة في موضوع هندسة وإدارة السدود.
تطورات الأحداث والتقاريرالمحلية والدولية :
في عهد وزير المياه السابق الدكتور معتصم سعيدان في حكومة الدكتور بشر الخصاونة، والذي استلم مهامه من شهر تشرين أول 2020 الى السادس من شهر آذار 2021، خلال هذه الفترة كان المشروع قد شارف على الانتهاء، وبناء عليه أعلمت "اللجنة الوطنية لسلامة السدود" مع الوزير د. معتصم سعيدان وهي (جهة تضم خبراء ومهندسين ونقابيين ذات صفة تشاورية مشكلة بقرار مجلس الوزراء) لاطلاعهم على أمر هام، وهو أن تعلية سد الوالة تصميما وتنفيذا "غير آمن" حسب علم هندسة السدود وحسب علم السلامة العامة يصنف أنه خطير وبه تشققات وتريحات في جسم السد. وصل الموضوع إلى مجلس السياسات، حيث تم الاتفاق على تشكيل خلية أزمة في المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، كما تم الطلب من وزير المياه بضرورة الحصول على رأي ثانٍ وهو رأي الوكالة الألمانية للتعاون الدولي، والتي أفادت بنفس الرأي الفني والتقني وهو أن التصميم جريء بمعنى "خطير" وغير آمن، ولقطع الشك باليقين تم الاتفاق بين كافة الجهات المعنية بالإسترشاد برأي ثالث على ان يكون "مختصا عالميا"، وتم التوافق بعد البحث على خبير نمساوي وتواصل معه خبير ألماني من الوكالة الألمانية للانماء مكتب الأردن، حيث انهما يتكلمان نفس اللغة وهي الألمانية، وتم التقييم بناء على المخططات الهندسية حسب وثائق العطاء التي تم تزويده بها وتم ايضا تزويدة بفيديوهات عبر شبكة الانترنت تظهر التشققات والترييحات (حيث تعذر السفر بسبب جائحة كورونا نهاية عام 2020 وبداية عام 2021) والذي خلص تقريره الى نفس النتيجة الكارثية.
وبعدما ثبت أن" الفاس وقعت في الراس" كان لا بد من التصرف، وتدارك الخطر القادم والمتمثل باحتمال كبيرلانهيار السد في حال هطلت أمطار غزيرة لا تتناسب مع عيب تصميم وتنفيذ التعلية.
ما هي الخطورة وأين تكمن ؟ وما هو الحل المؤقت للسيطرة؟
بناء على فهم ومتابعة الوزير الدكتور سعيدان لخطورة الموقف، وبناء على تقرير اللجنة الوطنية لسلامة السدود، وتقرير الخبيرين المحايدين النمساوي والألماني كانت المعادلة الرياضية الهندسية الكمية كالتالي:
في حال هطول أكثرمن مليون متر مكعب لكل 24 ساعة زيادة عن سعته الأصلية وهي حوالي 9 مليون متر مكعب، سوف ينهار السد بسبب عيب تصميم وتنفيذ التعلية، وعليه وحسب الأرصاد الجوية وبالتعاون مع طقس العرب تم التنبؤ بهطول مطري ودخول عبر الوديان في شهر شباط 2021 بحوالي 3 الى 4 مليون متر مكعب خلال المنخفض، فعليا دخلت هذه الكميات خلال 10 ساعات فقط، وتداركا للكارثة المحتملة وبالتنسيق مع كافة الجهات في الدولة الأردنية، اتخذ قرار تفريغ جزء من السد اضطراريا والذي كان يحتوي على 7 مليون متر مكعب قبل المنخفض، وقد تم ذلك بخير وسلامة وبجهود جبارة، وتم تلافي الكارثة بحمد الله.
من هنا ندرك أهمية العمل المؤسسي وصنع القرار بشكل عمودي وصولا الى وزير المياه.
ملأت أخبار تفريغ جزءا من سد الوالة الإعلام الرسمي والرقمي في شباط 2021، دونما معرفة السبب الحقيقي والذي تم الإشارة له بكلمة "ضرورات" أو "اجراءات احترازية". ربما لم يستطع الوزير د. السعيدان وقتها الافصاح أكثر بسبب ضغوط أو حساسية المرحلة، وفوق ذلك بدل ما يتم تكريمه هو وباقي فريق العمل الكبير من الأردنيين من الجهات المعنية، تعرض لحملة تشويه صارخة وممنهجة بحجة أنه أختلف مع المديريات، علما ان الخلاف كان على وقت التفريغ وليس قرار التفريغ (مراسلات مرفقة) وانه أهدر حوالي مليون متر مكعب من مياه السد، في محاولة للتعتيم عن أولا: مدى مطابقة تصميم وتنفيذ مشروع تعلية سد الوالة مع المواصفات، وثانيا للتغطية على سوء إدارة السدود من قبل الجهة المعنية.
إذن هذا هو السبب الحقيقي الأول وراء جفاف سد الوالة؟
تنبه ديوان المحاسبة مشكورا:
وكإضافة لمصداقية هذا التحقيق، استشهد بتقرير ديوان المحاسبة لشبهة الفساد عبر استيضاحات من رئيس ديوان المحاسبة عاصم حداد مقدمة لوزارة المياه والري اعلنها عبر الأعلام من خلال رصده للمخالفات التالية ( التقرير الأصلي مرفق):
•عدم قيام المقاول المنفذ للعطاء بتنفيذ التعديلات الجديدة المطلوبة بما يتعلق بالسد.
•عدم تنفيذ توصيات اللجنة الوطنية للسدود التي جاءت بناء على رأي الخبير الفني وفقاً لمبادئ إدارة المخاطر.
•أسباب زيادة قيمة العطاء بنسبة 25%.
•عدم تعديل الأخطاء في قيمة الدفعات السابقة للعطاء.
علما أن نفس الشركة تقوم حاليا بصيانة وتوسعة سد آخر!!!
السبب الثاني:
خلال فترة الصيف 2021 (بالإضافة لعامل التبخر الطبيعي) تم الضخ الجائر و"مضاعفة التدفق" من سد الوالة، بقرار "غير مدروس" من وزارة المياه والري من أجل ري المزروعات. وتعلم الوزارة تماما ومديريتها المختصة بالسدود، وأمينتها العامة بأنه لا يجوز تحت أي ظرف زيادة الضخ عن الحد المسموح وإلا سيجف السد الأمر الذي حدث بالفعل، وأن الخط الأحمر الذي لا يجب النزول عنه هو 4 مليون متر مكعب، مع ذلك خرجت وصرحت في الاعلام الرسمي تارة، ومن خلال مؤتمر صحفي تارة أخرى، أن سبب الجفاف هو "عوامل طبيعية" وانخفاض الهطول المطري خلال الشتاء الماضي، كما وصرح غيرها من المسؤولين في سلطة وادي الأردن أن الحل الوحيد هو الدعاء والصلاة!
السبب الثالث:
سوء إدارة السدود إجمالا، بالإضافة إلى خلل في عمليات تهيئة السد من بوابات ومخارج وصيانتها، وتنظيفها من الطمي والعوالق والرواسب قدر المستطاع خلال الفترة الزمنية المخصصة من السنة، وذلك بهدف استقبال مياه نظيفة وصالحة للاستخدامات المختلفة، ومن أجل الحفاظ على سعته التخزينية وذلك بإزالة الطين والطمي والحيلولة دون تراكمه على حساب المياه الصافية.
وديون بالملايين على وزارة المياه رغم المنح والقروض الميسرة المليارية :
وضمن خطة صيف مائي آمن لمياه الشرب، ظهرت أزمة مياه شرب خانقة في الصيف الماضي، كان لابد للوزارة من التصرف كخطة بديلة وتزويد المواطنين بمياه شرب عبر شراء الوزارة للمياه ثم تزويد المواطنين بسبب إخلالها بواجباتها ومسؤولياتها دون أي تكلفة يتحملها المواطن لكنها لم تقوم بهذا الخيار بسبب ديون الوزارة على شركة الديسي
من هنا يبرز استفهام منطقي، أين تذهب أموال المنح والقروض الميسرة التي تحصل عليها وزارة المياه والري/ سلطة وادي الأردن، والتي تقدر بحوالي المليار يورو حسب تصريحات بنك الإعمار الألماني لعامي 2020و2021(مرفق).
وكخلاصة أتساءل ماذا كان سيحصل لو هطلت أمطار غزيرة في شهر آذار أبو الزلازل والأمطار حسب المقولة الشعبية أو في شهر نيسان، حيث أن عملية تسيل أو تفريغ السد المتكرر ليس بالأمر السهل، وله مخاطر ايضا، ولا يؤتي أكله دائما لأسباب تتعلق بتشبع التربة وغيرها من الأسباب العلمية، وكأن الجفاف وانخفاض الهطول المطري الماضي كان رحمة ونعمة إلهية تلافيا لانهيار السد ولكشف شبهة فسادهم، وليس نقمة حسب تصريحات المعنيين!!!!

وزير المياه السابق الدكتور معتصم سعيدان أدرك خطورة الموقف وقام بكافة الإجراءات الممكنة، لمنع حدوث الكارثة، حيث أثبتت كافة الوثائق المرفقة بالتقرير سلامة وقانونية الإجراءات التي اتخذها الوزير المياه السابق معتصم سعيدان. 


كيف تقيم محتوى الصفحة؟